الفلسفة الاجتماعية

مدونة اجتماعية وفلسفية تهتم بالقضايا الفلسفية والاجتماعية والرياضية والصحية والفنية للمجتمع

recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

سؤال الرغبة والانتاج في فلسفة جيل دولوز وفليكس غواتاري

 


من أجل نقد لمفهوم الرغبة في المجتمع الرأسمالي.





  العناصر 

  1. مقدمة
  2. نبدة تاريخية عن جيل دولوز وغواتاري
  3. مفهوم الرغبة واللاشعورعند دولوز 
  4. الاخطاء المرتكبة في فهم ماهية الرغبة 
  5. اختلاف المدرسة الدولوزية عن التحليل النفسي 
  6. نقد التحليل النفسي والماركسية 
  7. الرغبة كخصم للذة خلاف دولوز وميشيل فوكو 
  8. خلاصة 
  9. خاتمة
  10. لائحة المراجع




مقدمة 

يعد دولوز فيلسوف الرغبة بامتياز، إذ أخرجها من شرنقتها التي كانت فيها مع أنصار التحليل النفسي، مثلما كان من الجيل الجديد   للفلاسفة الفرنسيين الذين ثاروا على الفلسفة النسقية، ان مفهوم الرغبة عند دولوزيرتبط  بالنزعة الحيوية وإرادة إثبات الحياة، والطموح  البناء تصور إتيقي للعالم، وتصير الرغبة حركة لأنها لا ترد إلى نقص أو حاجة، إنها إيجاب وإثبات، توليف مزدوج، اذن ما الرغبة ؟؟بالنسبة  لدولوز وغواتاري؟وما علاقة الرغبة بالتحليل النفسي؟ وماعلاقة الرغبة بالنسبة للانتاج؟ 

  1. نبدة تاريخية عن جيل دولوز وغواتاري

 واشتهر أساسا بدراسته حول نيتشه، من خلال كتابه: "نيتشه والفلسفة "، الصادر عام 1962، والذي قاده فيما بعد، إلى تطوير مفهوم للاختلاف، باعتباره بداية حقيقية للفلسفة، كما شكل -الاختلاف- المركز في دراسات هؤلاء الفلاسفة الجدد. لقد أوضح دولوز أهمية الرغبة وطابعها الثوري أمام كل المؤسسات، بما فيها المؤسسة التحليلية نفسها، أمر تجلى في عمله المعنون ب: "أوديب المضاد"، وذلك رفقة زميله فليكس غواتاري( الفيلسوف والمعالج نفسي، المزداد سنة 1930 بفرنسا، من أهم اهتماماته: (التحليل النفسي، والسياسة، والفلسفة). لنتساءل إذن: كيف عالج كل من جيل دولوز وفليكس غواتاري إشكالية الرغبة والإنتاج؟

  1. مفهوم الرغبة و اللاشعور عند دولوز

اهتم دولوز وغواتاري بمفهوم اللاشعور، وذلك وفق ما حددته المدرسة الفرويدية، غير أن الجديد هنا، هو تحويله من البعد التمثيلي المسرحي المرتبط بالأسرة، إلى بعد اجتماعي وسياسي، حيث اللاشعور هو مصنع أو معمل لإنتاج مختلف الرغبات ، وبهذا فاللاشعور ليس مسكنا خاصا بالأسرة فقط، بل هو مسكن للرغبة أيضا، ومجال مشترك بين الناس. هكذا تصبح الرغبة سارية في الجسد الاجتماعي بأكمله من جهة، ومن جهة أخرى تعبُر جسد الفرد الواحد بأكمله من رأسه حتى أخمص قدميه، بمعنى أن الرغبة ستخرج من النطاق الضيق والمحصور، الذي هو الأسرة، حيث كانت فيه رفقة التحليل النفسي مع فريد، مقتصرة على  الحياة الأسرية أي ثالوث الأب والأم والابن، إلى الحقل الاجتماعي بمجمله، وذلك كمجال لتجلي الرغبة من حيث هي سيولات آلية . أما شكل توظيفها، فلا يستدل عليه إلا بالهذيانات، التي تتكلم في المجتمع، وليس الهذيانات حول كراهية الأب، أو حب الأم وفق ما يفرضه القول بعقدة أوديب، وإنما الهذيانات حول ما يروج في الحقل الاجتماعي بأكمله، أي حول الشعوب والقبائل والأعراف والمال والسلطة؛ هذا فيما يتعلق بارتباط الرغبة بحياة الإنسان وبالحقل الاجتماعي، أما فيما يتعلق بارتباطها بالجسد أو الفرد، فـدولوز وغواتاري صوَّرا ارتباطها كارتباط تيار كهربائي بآلة، إذ رأيا أن الرغبة تغمر الجسد كله فتستثمره، أي تحوله إلى آلات راغبة، وبهذا فالجسد كله آلات لإنتاج الرغبة وتوليدها، حيث يقول جيل دولوز: "إن ما نسميه الغريزة، وما نسميه المؤسسة، يعنيان بالدرجة الأولى أساليبنا في إرضاء الرغبات، حيث يستمد الجسم أحيانا من العالم الخارجي، باستجابته بشكل طبيعي لحوافز خارجية، العناصر الخاصة بإرضاء ما لميوله ورغباته... إن الغريزة والمؤسسة؛ هما الشكلان المنظمان لإرضاء ممكن ". 

بمعنى أن كل من المؤسسة والغريزة يعتبران الأساس الصلب الذي تبدع فيها مختلف الرغبات وتجد نفسها فيها أي أن الرغبة تفوق الجسد إلى المؤسسة لبسط ذراعيها وتكون أكثر حرية. وعليه فالرغبة لا تطلب الموضوع بحد ذاته، بل تتجه ناحية العالم الذي يحمله هذا الموضوع ويعبر عنه، والحال أن لا رغبة عند دولوز إلا في توليف، ولهذا فهو يلح على مرجعية المجتمع فـ "الإنتاج الراغب، ليس شيئا آخر غير الإنتاج المجتمعي ".

وبهذا فالرغبة هي " توليف مزدوج"(Agencement dans L’agencement)، أي أنه توليف يتفاعل فيه الليبيدو مع السلطة والعنف والمجتمع والاقتصاد السياسي ،وبالتالي فالرغبة عند دولوز كلها إيجاب وإثبات ولا نقص فيها. 

 يتحدد هنا إذن المعنى الجديد للرغبة، والمخالف لما قدمت عليه سابقا، خصوصا في التحليل النفسي، حيث يقر  دولوز، على أن هذه /المدرسة قد ارتكبت أخطاء في فهم ماهية الرغبة، وتأتي هذه الأخطاء كالآتي:

  • /الاخطاء المرتكبة في فهم ماهية الرغبة 

الخطأ الأول: حيث يعتبر دولوز أن الأصل فيه، راجع لكون التحليل النفسي، لا يأخذ بعين الاعتبار الزاوية السيكولوجية المحضة، بمعنى حصر الرغبة فيما هو سيكولوجي، والحال أن الرغبة حسب دولوز، هي توليفية، فلا رغبة إلا في توليف، توليف هو الذي ينتج العالم وليس العكس .

الخطأ الثاني: فيرتبط في تحديد معنى اللاشعور عند التحليل النفسي، فقد اعتبروه خزانا، أو ذاكرة لاشعورية ثابتة ينبغي الحفر فيها لأجل تحقيق الفهم، والحال أن اللاشعور هو عنصر لا ينقطع عن السكون والتحول، لأنه كيفية عمل، وحركة منفتحة ومتعددة، تسيل على صفحة الأشياء، وتعكس العلاقات الموجودة بينها وبينه، فاللاشعور إنتاج دائم ،وبمفهوم دولوز "حدث" ، والحدث هو ما لا يمكن أن نفهمه بالاستناد إلى الماضي.

الخطأ الثالث: ويكمن في نظرته الأخلاقية المفعمة بالذنب، وهو ما يبرز نزوعه الأخصائي، فنظرة المحلل إلى الرغبة مسكونة- شاء أم أبى- بتصور حزين، يسعي فيه إلى إحراج الشخص موضوع التحليل، وتحسيسه بالذنب والعار، ولهذا فالمحلل من منظور دولوز، يجرم الرغبة بثلاث طرق على الأقل: قانون النقص، قاعدة الإخراج، والمثال المتعالي . وبهذا فالتحليل النفسي، أخطأ في فهم الدلالة القيمية للرغبة، وذلك بتناولها من منظور أخلاقاوي أخصائي يعبق برائحة الموت، تصير معه المعرفة النفسية، وكيلا نظريا للقمع السياسي، والاجتماعي .

 الخطأ الرابع: ويتجلى في فهم علاقة كل من اللاشعور، والزمان، والعالم، أي العلاقة التي تجمعهم كلية، فاللاشعور ترتبط علاقته فقط بالآن، ولا علاقة له بالطفولة أو الماضي، أو شيء من هذا القبيل، وأيضا علاقته بالعالم بأسره، في عنفوانه وانفتاحه، وجغرافيته اللامتناهية، لا بالعائلة وأسرارها الصغيرة.

 الخطأ الخامس: يرتبط خاصة بمعنى وطبيعة التحليل نفسه، فالعمل النفسي ليس تأويلا لرمز، أو بحث عن عمق، أو حفر عن سر مختفٍ في الماضي، أو في النفس ، بل هو فعل يتبع لصيرورة، لأن الرغبة كما قلنا حركة وحدث، والحدث هو كيفية عمل، وليس معنى مدخرا، ولهذا فالتحليل السليم يكون بتتبع المسارات ورسم التحولات التي تتعرج فيها خطوط الانفلات، أي يكون بتسطير خرائط الحاضر والمستقبل، وليس تأويلا لحدث منقض في الماضي والطفولة .

  • اختلاف المدرسة الدولوزية عن التحليل النفسي 

وبهذا فإن ما يهم دولوز وغواتاري هو ما لم يهتم به التحليل النفسي أي الجواب عن السؤالين التاليين: قل لي ما هي آلاتك الراغبة؟ وما هي طريقة هذيانك حول الحقل الاجتماعي؟ لذلك يعمد المؤلفان إلى إنشاء طريقة مستلهمة من التحليل النفسي ومضادة له في آن واحد، يسميانها التحليل الفصامي (schizoanalyse)، وهي طريقة لا تركز على جوانب حضور الأب أو الأم في هذيانات الرغبة، وإنما على جوانب حضور المجتمع، أي جوانب القمع، والتسلط والإقصاء والتهميش التي تعكسها أقوال الناس.

هكذا ينطلق دولوز وغواتاري من تقرير حقيقة مفادها أن النظام الرأسمالي أضحى حقيقة قاتمة فاضحة، حقيقة مولدة للاغتراب والاستلاب في مجتمع يحكمه منطق الربح والإنتاجية والمردودية، حقيقة بنيت على أساس الفصل بين الرغبة والإنتاج، أي الفصل بين اقتصاد الرغبة، والاقتصاد السياسي ، حيث يضع النظام الرأسمالي الرغبة في المجال الخصوصي، والإنتاج في المجال العمومي، وآية ذلك أن الرأسمالية أدركت تهديد الرغبة للإنتاج، فعملت على أن لا يتم الحديث عنها إلا في عيادة الأطباء النفسيين، أما بالخارج، أي المعمل، والمدرسة، والشارع، فهو مجال العمل لا للرغبة، وبهذا فإن ما يهم الرأسمالي يختلف وآلات الرغبة والإنتاج، التي يمكن أن توصل ب"آلة الاستغلال" .إن الفصامي ليس هو الشخص الذي يصنعه المحلل النفسي، ويزج به في المستشفى بدعوى انهياره، بل إن الفصامي هو الفنان، هو المفكر الثوري الذي يعيش في كنف المجتمع الرأسمالي، ويتمرد عليه إما باسم الرغبة (الحلم، اليوتوبيا، اللعب، الحب...)أو باسم الثورة(الصراع الطبقي). غير أن المسألة التي يلح عليها المؤلفان، هي أن الرأسمالية غالبا ما تفلح في استدراج الفصامي وتدجينه، لكن كيف يتأتى لها ذلك؟

  1. نقد التحليل النفسي والماركسية 

يرى المؤلفان أنه لم يكن ليقع ما وقع لولا وجود خلل في نظرية الرغبة (التحليل النفسي)، ونظرية الثورة (الماركسية). لذلك عمد المؤلفان على نقد التحليل النفسي والماركسية، ومعنى هذا النقد أن التحليل النفسي لا يخدم إلا مصالح البورجوازية،  حين يحول الرغبة إلى تدفقات صغرى تقطر على سرير، حين يضخم من دور عقدة أوديب، وبهذا يتواطأ المحلل النفسي مع البورجوازي، هامسا لهذا الأخير في أذنه: "دع المجتمع يعمل، أما الرغبة فسنتكفل نحن بها، سنخصص حيزا صغير،  وعلى وبر أريكتنا "، بمعنى أن الرغبة ستبقى رهينة المحلل النفسي بحيث هو من سيهتم بتفاصيلها،  إنه يتحول إلى مخدر يعمل على أن لا تتحول الحقيقة باب العيادة. أما فيما يخص الماركسية، فقد تحولت النظرية الثورية حسبهما- دولوز و غواتاري- إلى نزعة بيروقراطية فظة، لدرجة أنها أضحت آلة بوليسية مسلطة على رقاب العمال، خادمة بهذا المصالح البورجوازية.

1-  الرغبة كخصم للذة:(خلاف دولوز وميشيل فوكو) 

يعترض دولوز على كلمة اللذة، حيث يقول: "إنني لا أتحمل مطلقا كلمة لذة؛ لماذا؟ لأن الرغبة بالنسبة إلي ليست أبدا نقصا"، يعتبر دولوز الرغبة على أنها ليست نقصا لذلك يرفض كلمة لذة ويستسيغ مفهوم الرغبة وهذا راجع لتمتع الرغبة بعدة خصائص عكس اللذة،  كما أنها تأتي بالأحرى حتى في الصورة الأكثر لطافة، والأكثر ضرورة لإيقاف مسار الرغبة، من حيث هي تأسيس لحقل المحايثة، لا شيء أكثر دلالة من فكرة اللذة، يقول دولوز:" فبحصولنا على اللذة نفلح على الأقل بنصيب من الهدوء قبل أن تولد الرغبة من جديد، فهناك كثير من الحقد أو الخوف تجاه الرغبة عند المعتقد في اللذة. فاللذة هي تعيين العاطفة، وانفعال شخص أو ذات، أما الرغبة، فهي إيجابية بفضل مستوى الاتساق الذي ترسمه عبر مجراها، إن الخطأ الذي يرجع الرغبة إلى قانون النقص هو نفسه الذي يرجعها إلى قاعدة اللذة"  .

يعطي هنا جيل الأهمية الكبرى التي تلعبها الرغبة من حيث أنها إيجابية عكس اللذة التي تعتبر عنده مجرد تعيين للعاطفة وهي انفعال شخص أو ذات، بينما الرغبة أكثر من ذلك. إذ تجد نفسها في المجال الاجتماعي بمعنى أنها ليست أبدا نقصا ولا مرتبطة فقط بشيء معين، وبهذا يحذر دولوز من قياس الرغبة على الحاجة والنقص، هذا القياس الذي رسخ في الأذهان منذ اليونان، في حين يؤكد على أن الرغبة لا ينقصها أي شيء، كونها لا تسعى لأي شيء خارج ذاتها مادام أنها عبارة عن صيرورة، وتدفق دائمين، أما المتعة فيعتبرها نفيا وإيقافا لصيرورة.

هكذا فاللذة تضاد الرغبة، ليس بدافع أخلاقي أو علمي، كما في التحليل النفسي، ولكن بدافع تلقائي ساذج، لهذا كان دولوز لا يتحرج في القول بأنه في مفهوم اللذة، والتوجيهات القائلة به، قدرا من الحقد تجاه الرغبة، لا يقل شراسة عن ذلك الذي تحمله الأديان .

  • لا يطيق جيل دولوز رؤية فوكو للرغبة، لأنها تتأسس على نظرتين:

-نظرة سلبية: تأتي من كونها نظرة تتأسس على تصور يرد الرغبة إلى نقص ينبغي ملؤه، وهذا بالضبط نقيض تصور دولوز.

-نظرة ذاتية: تأتي من كونها لا تستحضر بعد التركيب في الرغبة، يقول جيل دولوز: "لا يمكنني أن أعطي أية قيمة للذة، لأنها تبدو لي أنها تعيق التقدم المحايث للرغبة (...)الرغبة لا ينقصها أي شئ، وتتجنب بشكل كبير اللذات التي تأتي لتوقف سيرورتها (...) تبدو لي  اللذة، الوسيلة الوحيدة للشخص أو للذات كي تجد نفسها في سيرورة ترهقها"  .

يقدم دولوز هنا السبب الرئيسي تجاه خلافه مع فوكو بصدد مفهوم اللذة، إذ كل ما يعكس تطور الرغبة إلا ويختلف معه ورأى على أن اللذة تعيق تقدم الرغبة لذلك رفضها. وبهذا فهو رد على فوكو وبالخصوص رؤيته للرغبة بحيث استلب منها البعد الايجابي إذ اعتبرها مجرد نقص وهذا ما قطع معه دولوز معتبرا الرغبة كمال في كمال ولا ينقصها شيء.

أما موقف ميشيل فوكو فينطلق من قوله :"لا يمكنني أن أطيق كلمة رغبة (...)، فأنا محتاج إلى كلمة أخرى غير كلمة رغبة". وبهذا فـرؤية فوكو هي عكس نظرة دولوز لمفهوم اللذة، فــفوكو ينفي عن الرغبة كل بعد إيجابي، من حيث هي عنده مرهونة بالنقص ومعلقة باللذة. لقد جاء موقف فوكو على لسان دولوز نفسه قائلا: "في المرة الأخيرة التي التقينا فيها قال لي ميشيل فوكو، باحترام كبير وطيبوبة وتأثر، ما معناه أنه لا يمكنه أن يطيق كلمة رغبة، حتى إذا استعملها بشكل مغاير، فلا يستطيع أن يمنع نفسه من التفكير، أو أن يحيل على رغبة = نقص، رغبة يعني تقليص(...)، إذن، ''فأنا، يقول فوكو، ما أطلق عليه لذة يمكن أن يكون ما تطلق عليه أنت رغبة، وعلى كل حال، فأنا محتاج إلى كلمة أخرى غير كلمة رغبة ".

هنا إذن فوكو يعتبر الرغبة مجرد نقص مما يرتبط بها من تقليص لذلك رفضها وأعلن عن مدى إراداته وحبه لمفهوم اللذة الذي يحل عنده محل الرغبة.

يقترن إذن مفهوم الرغبة عند دولوز بالنزعة الحيوية وإرادة إثبات الحياة، والطموح لبناء تصور إتيقي للعالم، وتصير الرغبة حركة لأنها لا ترد إلى نقص أو حاجة، إنها إيجاب وإثبات، توليف مزدوج، توليف يتفاعل فيه الليبيدو مع السلطة والعنف والمجتمع والاقتصاد السياسي ". يقول جيل دولوز: " أتعرفون كم هي بسيطة الرغبة؟ النوم رغبة، التفسح رغبة، والإنصات إلى الموسيقى أو إنتاج الموسيقى أو ممارسة الكتابة، كل هذه الأمور رغبات، الربيع أو الشتاء رغبات. الشيخوخة أيضا رغبة، والموت ذاته رغبة، لا توجد الرغبة أبدا من أجل تأويليها، إنها هي التي تجرب ".

بمعنى أن الرغبة هي سائرة في كل مناحي الحياة فكل شيء إلا ومرتبط بها أشد الارتباط، هذا ما يدفع دولوز أن يستسيغ سهولتها والدور الذي تلعبه من خلال أنها عبارة عن تجارب نعيشها وكما يقر نفسه فحتى الموت ذاته رغبة، وبهذا فكل تجربة إلا وتقترن بنوازع ترتبط بالرغبة مما يمهد قوله أنها فعل وحركة ترتبط بالحياة الإنسانية.   

وبهذا فالرغبة مع دولوز وغواتاري تتحدد بصيغة جديدة كما لم نراها، أو نعهدها من قبل، إذ أصبحت الرغبة تحيط بكل شيء، لا مرتبطة فقط بشيء معين.


                          خلاصة


حاولنا، في هذا العمل تسليط بعض الضوء حول إشكالية الرغبة ومفهومها وأهم التحولات التي شهدتها. وفي هذا الأفق اتجهت مجهوداتنا صوب إبراز التطور الذي شهده مفهوم الرغبة عنددولوز وغواتاري. واستنادا على هذا توصلنا لجملة من الخلاصات أهمها:

أولا: أن مفهوم الرغبة عرف دحورا وتدهورا في الفلسفات الكلاسيكية لأنه اعتبر بمثابة نقص وحرمان (افلاطون)، مما جعله خاضع لتصور اختزله في بعد  حال دوننا ودون كشف خصائصه ومجالاته المتعددة.

وكذلك الأمر بالنسبة للفيلسوف العقلاني ديكارت الذي ما فتأ أن ساهم في سلب القيمة الاجتماعية والنفسية لمفهوم الرغبة جراء مخالفته للحواس وقوله بأنها صفحة بيضاء ومعاداته للمذهب التجريبي، إذ زعم القول بأن العقل أساس كل شيء، وكونه يتحكم في الرغبات للحد من خطورتها وتكون أكثر عقلانية، في حين أن هذا أذهب عنها حريتها وخصائصها الأساسية فارتباطها بالخير أكثر من الشر كشيء سلب للرغبة طابعها الثوري.

خلافا لذلك أبرزنا، بالاستناد إلى النصوص السبينوزية وإلى السياق وممارسة إسبينوزا العلمية أن مفهوم الرغبة عرف تطورا وتحولا ملحوظا إذ أصبحت الرغبة ماهية الإنسان وكنهه، بل إنها أساس التحولات التي يعيشها البشر وأنها مرتبطة وسائر الانفعالات بحيث لم يعد التعامل مع مفهوم الرغبة بالمعنى العام والفضفاض ، ولكنه أصبح التعامل معه بتحفظ كبير، حيث تمة إعادة الاعتبار لمفهوم الإنسان ككل حيث أصبح هذا الأخير مصدر كل الخير والشر في الحياة وأنه أدرك فعاليته الكبيرة تجاه حياته النفسية وحتى الاجتماعية وأدرك مختلف رغباته.

ثانيا: أبرزنا في السياق نفسه أن مفهوم الرغبة سيعرف انتعاشا في مرحلة ميلاد العلوم الإنسانية، حيث اقترح التحليل النفسي نظرية اللاشعور لموازنة الرغبة والدفع بالتعرف عليها، في خضم ما سماه فرويد (بعقدة أوديب). مما جعله يتلقى انتقادات لاذعة وبالخصوص من لدن دولوز وغواتاري اللذان عمل على تأليف كتاب (Anti-Œdipe)، الذي جاء كثورة من أجل  نقد مدرسة التحليل النفسي شتى الانتقادات وأهمها: 

أن التحليل النفسي أخطأ في فهم الرغبة إذ عمل على تغريب مفهومها من خلال ربطه فقط بمفهوم العائلة، في حين أن الرغبة تذهب بعيدا من هذا حيث أنها ستقتحم المجال الصناعي والاجتماعي. وستصبح رفقة دولوز عبارة عن فعل وحركة وتوليف سائرة في جميع مناحي الحياة دون اقتصارها فقط على مجال معين أو ما سيكولوجي.


خاتمة

ويمكن القول أن الدافع الأساسي وراء النظرة الجديدة لمفهوم الرغبة والمتفحصة له مع دولوز وغواتاري هو ما شهده العالم من تطورات على المستوى الاجتماعي والسياسي والعلمي. وقد لعبت الحربين العالميتين الأولى والثانية الدور الأهم في إعادة إدراك الخصائص الايجابية لمفهوم الرغبة، حيث أنها استهدفت الإنسان وألمت به وأفقدته حريته فمن منا يحب الحرب؟ 

إنها كانت بمثابة إعلان جديد لإعادة إحياء رغباتنا دون تدميرها واعتبرت الصرح الأساسي للنظر للإنسان من زاوية تكوينية، حيث أنه تتكون في  داخله مختلف الرغبات التي أصبح يعيها ويعي خصائصها وبهذا اعتبرت الرغبة فعل وحركة، تعبر الجسد إلى مجالات متعددة وأماكن مختلف بل تغمر الكون بأسره.

                      

                              لائحة المراجع

3-أيت حنا، محمد: الرغبة والفلسفة: مدخل لقراءة دولوز وغواتاري، دار توبقال للنشر، الطبعة الاولى، 2011.

4-عبد الجواد، محمد: فلاسفة من الشرق والغرب غيروا مجرى التاريخ: دار الطباعة، الجيزة، مصر، الطبعة الاولى 2014.

10-دولوز، جيل: الغرائز والمؤسسات، ترجمة عبد الحي أزرقان، مجلة أوراق فلسفية، العدد الثاني، القاهرة.

11-عطية احمد، عبد الحليم: جبل دولوز سياسات الرغبة، دار الفارابي للنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الاولى 2011.

12-حدجامي، عادل: فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختلاف، دار توبقال للنشر الطبعة الاولى، 2012.

13- دولوز، جيل- كلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ترجمة عبد الحي أزرقان وأحمد العلمي، أفريقيا الشرق ، الدار البيضاء، المغرب، 1999.

15- لالاند، موسوعة لالاند، ترجمة خليل احمد خليل، منشورات عويدات، بيروت، باريس، الطبعة الثانية2001.

عن الكاتب

Houssin Lemkass

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اخر موضوعات المدونة

التجارة الالكترونية

جميع الحقوق محفوظة

الفلسفة الاجتماعية