الفلسفة الاجتماعية

مدونة اجتماعية وفلسفية تهتم بالقضايا الفلسفية والاجتماعية والرياضية والصحية والفنية للمجتمع

recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

تاريخ مفهوم الرغبة في الفلسفة اليونانية افلاطون نموذجا

تاريخ مفهوم الرغبة في الفلسفة اليونانية افلاطون نموذجا  

 : العناصر

  1. المقدمة 
  2. الرغبة عند افلاطون مفهومها ووظيفتها 
  3. نبذة تاريخية عن افلاطون
  4. وظيفة الرغبة 
  5. مفهوم الرغبة في المعاجم
  6. الرغبة كنقص
  7. مفهوم الرغبة في الجمهورية
  8. خاتمة 
  9. المراجع

مقدمة





  تشكل الرغبة ذلك الجسر الذي يربط بين ذواتنا ومتطلباتنا الحياتية؛ إذ ليست بالكاد ما نأمل تحقيقه أو نحتاجه فقط لمجرد أنه يتميز   بخصائص محددة؛ بل إنها ما نريده ونشتهيه من دون أن يكون ذلك مرتبطا بتفكير عقلي أو بخصائص ملتصقة بالمرغوب فيه، لأن ما نرغب فيه نريده دون غيره، كما أننا نرغب في أن نبلغه لأجل تحقيق إشباع كامل لما حركنا نحوه، لكن قوة الرغبة غير محدودة. وبهذا فإنه لكل واحد طريقته الخاصة التي يريد أن يحقق عبرها مختلف رغباته. هكذا تكون الرغبة جد ملتبسة ومبهمة، مما سبب صعوبة الاحاطة بكل معانيها، ومن تمة نلفي انفسنا امام  كثير من الأسئلة من قبيل: ما هي الدوافع التي تقود الإنسان للرغبة ؟ ولماذا لا نستطيع إيقاف الميل نحوها؟ ولماذا يتحول هذا الميل إلى عبادة وقداسة لموضوع الرغبة ؟ وكيف استطاع العلم المعاصر أن يجعل الرغبة متسمة بالسيلان واللامحدودية ؟ وهل النقص والحرمان دافعان مباشران نحو الرغبة، أم أن تمة دوافع أخرى؟ وما أهم التحولات التي شهدها مفهوم الرغبة من العصر الإغريقي إلى العصر الحديث؟

 لمحات من تاريخ مفهوم الرغبة في الفلسفة افلاطون نموذجا





  :  الرغبة عند أفلاطون مفهومها ووظيفتها

  • نبذة تاريخية عن افلاطون

يعد أفلاطون من موالد عام 428 قبل الميلاد، وقد كان تلميذا لمعلمه سقراط  ومعلما لأرسطو، وانشغلت كتاباته باستكشاف قضايا العدالة، والجمال، والمساواة، وتضمنت أيضا نقاشات حول علم الجمال والفلسفة السياسية، واللاهوت، وعلم الكون، ونظرية المعرفة وفلسفة اللغة. وأسس أفلاطون أكاديمية كاملة في أثينا، حيث اعتبرت بالفعل واحدة من المؤسسات الأولى للتعليم العالي في العالم الغربي ، وتوفي في المدينة نفسها حوالي 348 قبل الميلاد.

يعتبر أفلاطون من أسرة أرستقراطية عريقة، واتجه تفكيره بعد إعدام أستاذه سقراط إلى الشروط التي ينبغي توفرها لإقامة حكومة عادلة، فهيأ لذلك الأسس النظرية في مؤلفاته، وهنا تكمن الأهمية الكبرى لدراسة أفلاطون، يقول المفكر والسياسي الإنجليزي ريتشارد كروسمان: "لقد ظل الفيلسوف دهورا طويلة مفكرا 'أكاديميا'، وحالما أو متأملا بعيدا عن الخلافات التافهة التي يصطرع بها عالم الحياة اليومية. وكان من المحتم أن يصور أفلاطون على أنه فيلسوف من هذا النوع، أما اليوم عندما وصلت الحضارة إلى أزمة مشابهة لتلك التي عاش فيها أفلاطون، فإن في وسعنا أن نراه كما كان على حقيقته- أعني مثاليا أخفق في تطبيق أفكاره عمليا ومصلحا ثوريا لم يستطيع ان يهتدى إلى أساس سياسي لإصلاحاته". 





مع أفلاطون تتحدد مهمة العقل وعلاقته بالحقيقة، من حيث رؤية المثل، ويصير من حق المؤرخ الحديث عن مفهوم للفلسفة قائم بذاته، ذلك أننا لم نعد أمام حكمة تتداخل فيها التفسيرات العلمية والشعرية والأسطورية دونما وعي بحدود كل واحدة منها، بل صرنا أمام تفكير يعي بسموه على كل أشكال التفكير السابقة عليه، ليس فقط فيما يتعلق بالأسطورة أو الشعر، بل وكذلك فيما يتعلق بأكثر المعارف يقينية التي هي الرياضيات. حيث لم يتردد صاحب الأكاديمية في الإعلان عن سمو الفلسفة عن علم العدد وقدرتها على رؤية الحقيقة التي لا يمكن رؤيتها إلى بالتعود على الموت، لذلك كانت الفلسفة تدربا على رؤية الحقيقة، لكنها كانت كذلك تدربا على الموت وارتياد طريقه.




إن من بين أهم المواضيع التي عالجها أفلاطون موضوع الرغبة، وهو موضوع هذا المحور، وذلك بغية الوقوف على  أهم الركائز الأساسية لهذا المفهوم وذلك بالتساؤل عن معنى الرغبة وكيف عالجها أفلاطون وما هي أهم أرائه بصددها؟

  • :وظيفة الرغبة 

تتجسد وظيفة الرغبة عموما في  الشعور بالاحتياج إلى شخص أو شئ  وعلماء النفس يفرقون بين الرغبة والمشاعر، فالرغبة تنبع من جسم الإنسان مثل احتياج الجسم للطعام، بينما المشاعر تأتي من الحالة العقلية للإنسان. لكن تختلف المواقف حول الرغبة بين من يعرفها على أنها انعكاس لمطالب الهو وبين من يعرفها على أنها وسيلة لإشباع الحاجات الفيزيولوجية للإنسان. بل ويشهد الاشتقاق اللغوي لكلمة فلسفة نفسه على هذه الرغبة اللامتناهية المنجزة بين حركة الذات وحركة الفكر: "أن أتكلم متفلسفا أو أسمع فيلسوفا يتكلم تلك متعة ما بعدها متعة  هذا ما نقرأه في المأدبة. وبهذا فالرغبة في التفلسف هو أيضا رغبة في الوصول الى الحكمة، التي تجعل كل متفلسفا يدرك العديد من الأمور في الحياة ومعيشه. وبهذا فالرغبة تتطلب الوصول الى المراد تحقيقه سواء أتعلق الأمر بالنجاح أو ما غيره من ذلك، فهي بذلك أساس كل الافعال.

إن الرغبة إذن هي حالة ذهنية ترتبط عادة بعدد من التأثيرات المختلفة؛ حيث إن الشخص الذي لديه رغبة يفكر بطريقة معينة، ويميل إلى التصرف بطرق معينة ؛ فإذا رغب الشخص في شئ معين فإنه سيحاول الحصول عليه ولكن إن لم يحصل عليه في الوقت نفسه فإنه يشعر برغبته أكبر في الحصول عليه، وسيفكر فيه كثيرا، وسيجد افتقاده له أمر محزن .

ترتبط الرغبة بشكل كبير بالمتعة والألم؛ إذ يشعر المرء بالمتعة في الأمور التي تعزز بقائه وتكاثره، مثل الوضع الاجتماعي، ويشعر بالألم اتجاه الأمور التي تهدد وجوده وهو لا يرغب بها، وبشكل عام عندما يحقق المرء رغبته فإنه يفقد استمتاعه بها، ويضع رغبات جديدة ليحققها، وهنا تكمن مشكلة الرغبة في أنها وجدت لتعزيز البقاء والتكاثر، وليس لجعل الناس سعيدين وراضيين، وبهذا فالرغبة تشير الى حالة الاسف الناجمة عن افتقاد موضوع ما، او حالة النزوع التلقائية والواعية إلى الموضوع الذي نتمثله .





 :مفهوم الرغبة  في المعاجم

وفي معجم روبير الفرنسي، تشير الرغبة إلى الميل في تحصيل شيء ما بغية تحقيق اللذة. أما الدلالة الفلسفية عند لالاند في معجمه الفلسفي اعتبر الرغبة ميل عفوي واع نحو غاية معلومة أو متخيلة. لكن أفلاطون اعتبر الرغبة بمثابة دافع فطري يتجسد في الإنسان على شكل شهوات حيوانية بمعنى أن نظرة أفلاطون إلى الإيروس ، أي إلى الرغبة في "المأدبة" تنبني على الفصل الفعلي بين الذات (الراغبة) والموضوع (المرغوب فيه)، وذلك وفق تقسيمات ثنائية تسير بالرغبة في خط تصاعدي نحو الوجود العلوي، ذلك الوجود المفارق الذي يظل فوق إدراك البشر وفوق إمكاناتهم  .

ولا يقف التقسيم الأفلاطوني في حدود الفصل بين الذات والموضوع؛ بل يتجاوز ذلك إلى حد تقسيم الإيروس نفسه؛ فالإيروس ليس واحدا، وإنما يتعلق الأمر بنوعين من الإيروس، إيروس أرضي يرتبط بحب الأجساد والشهوات الفنية، وإيروس سماوي ينزع إلى المثل والفضائل الخالدة. وسواء تعلق الأمر بالحب الفاضل أو الحب الشهواني، فإن الرغبة ما تنفك تدور في فلك النقص؛ فالحب هو بالضرورة حب شيء ما:" فالحب إجمالا هو الرغبة الدائمة في امتلاك الخير(.....)  ولما كان الحب هو الامتلاك الدائم للخير، فلا بد أنه يرغب في الخلود رغبته في الخير، ويلزم من هذا أن الحب هو حب الخلود، كما هو حب الخير..." 

وبهذا فالحب يرغب في كل من الخير والخلود أي أن حضور الموضوع شرط أساسي لقيام الرغبة؛ لكن حضور الموضوع هو حضور في غياب، لأننا حين نرغب في أشياء نملكها؛ بل من الطبيعي أن ننزع إلى ما لا نملكه. 

  • :الرغبة كنقص

وحتى في حال تملك الموضوع، فإن قانون الرغبة المرتبط بالنقص لا يصبح في حكم الملغى، إذ أننا في قمة إحساسنا بتملك الشيء ينتابنا الخوف من فقدانه وهكذا ينقلب مسار الرغبة لتصير في منحى معاكس لكن مع احتفاظها بجوهرها، أي بنزوعها الدائم نحو ما ينقصها / ينقصنا، " إن ما ترغب فيه، وأنت تملك الصحة والثروة والقوة، ما ترغب فيه هو أن تظل تملك تلك الصفات في المستقبل، وأنت في الوقت الحاضر تملكها شئت أم لم تشأ .... معنى هذا أن المرء يحب ما ليس بإمكانه ولا يملكه، أعني استمرار ما يملك المرء في الحاضر والمستقبل .

تجدر الإشارة إلى أن الرغبة تظل مرتبطة بالنقص وهذا الأخير الذي يصل ذروته حين يصرح أفلاطون بأن الحب نفسه يشعر بالنقص، وينزع إلى تحقيق كماله . فالمرء يرغب فيما ليس في حاجة إليه، بمعنى أنه يرغب فيما ليس بوسعه الحصول عليه الآن، فهو يحب أشياء ويرغب فيها؛ ولكنه لا يملكها في الوقت الحاضر، وإنما يفتقر إليها. 

:مفهوم الرغبة في الجمهورية 

أما في الجمهورية فقد قسم أفلاطون الرغبات إلى ثلاثة أقسام: هناك الرغبات الضرورية، والرغبات غير الضرورية والرغبات الفوضوية، معتبرا الأولى: أي تلك الرغبة التي لا يكون في وسع الإنسان رفضها بمعنى أنها لازمة وضرورية لما تثيره من تحصيل إيجابي للفرد. أما الثانية: هي تلك التي يفيدنا إرضاؤها، معنى أنه باستطاعة المرء التخلص منها، إذا تدرب على ذلك منذ حداثته، والتي لا يجلب إشباعها أي خير أي أنها غير لازمة، أما الرغبات الفوضوية، فتتوفر في الأقلية فقط من الناس وتكون غالبا متوحشة وفظيعة.

ولقد أعطى أفلاطون مثالا لكل واحدة فالرغبة في أكل الخبز تعد رغبة ضرورية لسببيين : لأن إشباعها مفيد للصحة، ولأنها لازمة للحياة وكذلك الأمر للرغبة مثلا في أكل اللحم هي رغبة ضرورية للصحة ولصيانة البدن، أما الرغبة في أطعمة أكثر تعقيدا من التي تحدثنا عنها فتعد غير ضرورية لأنه، في حقيقة الأمر، يستطيع معظم الناس قمعها ولأنها غالبا تضر بالجسم مثلما تضر بالنفس وبالعقل. أما الرغبات الفوضوية، فقد اعتبرها أفلاطون فضيعة ومتوحشة وهوجاء، لأنها تتوفر حتى في الأقلية من الناس الذين يبدون على قدر كبير من الاعتدال، إلا أن هذا النوع يتبدى أكثر بوضوح في الأحلام عندما يحل النوم، فينطلق بهذا الجزء الحيواني المتوحش بالخيال إلى أن تهتك عرض الأم أومن عداها، سواء أكان إنسانا أم إلها ، وهي عندئذ لا تتحرج من ارتكاب أية جريمة  .

تجدر الإشارة إلى  أن هذا النوع أثناء الأحلام ، يتيح لها أن تقوم بأي حماقة أو فعل واضح. فالنفس الإنسانية شأنها شأن الدولة تنقسم إلى ثلاث قوى تناسبها ثلاث لذات، فقوة عاقلة، لذتها الفكر والمعرفة، فالرغبة تنحصر هنا في التحصيل الإيجابي للمعرفة والفكر، وقوة غضبية تثور للكرامة، بمعنى تكون حارس لها، وقوة شهوية تسعى إلى كافة اللذات المادية، وبالتالي فهذه القوة الأخيرة يسودها في الغالب الرغبات الفوضوية. 

وتعتبر الرغبة بالنسبة لأفلاطون أحد أجزاء الروح باعتبار هذه الأخيرة أساس لكينونة الإنسان والمحرك الأساسي له، وبهذا يؤكد أفلاطون على أن الرغبة دافع فطري يتجسد في الإنسان على شكل ملذات وشهوات حيوانية، مما يستدعي ذلك العقل للتحكم فيها لترقى إلى مستوى الرغبة الأفضل، فهناك من الرغبات غير الضرورية وهي فطرية في الإنسان، لكن كبحها بالعقل والحكمة قد يقضي عليها عند بعض الناس أو يخفف من حدتها عند البعض الآخر، حدتها في غياب النفس العاقلة.

وقد تقترن هذه الرغبات بالنقص والحاجة لذا فحضور العقل أمر ضروري للتحكم في الرغبات وتنظيمها وبهذا فالرغبة عند أفلاطون شيء متجذر في الوجود الإنساني، أي أنها طبيعية وتقيم في أعماق الإنسان في حين  تشتغل خارج منطقة الوعي والعقل، باعتبار أن الإنسان يتكون من جسد وعقل وأن اللذة العقلية الكاملة فإنها مرتبطة بعالم المثل أو عالم المعقولات.  لكن ورغم كل هذا فإن أفلاطون في محاورة المأدبة يذمها ويجعل منها انفعالا نفسيا ونقصا ونزوعا أهوجا لا يتوافق مع متطلبات المدينة الفاضلة، التي تتأسس ضرورة على الحكمة والاعتدال. أما في الجمهورية فيحدد لنا أفلاطون الوظيفة الأساسية التي تلعبها الرغبة بالقول "إن لا أحد يرغب في مجرد الشراب، بل في الشراب الجيد أو في مجرد الطعام، بل في الطعام الجيد لأن الناس عموما يرغبون في الجيد من كل شيء فإذا كان العطش رغبة فهو رغبة في الجيد من الشراب والحكم واحد في الشراب وفي غيره سواء بسواء وينطبق هذا الحكم على كل الرغبات" . 





معنى هذا أن الرغبة تقترن وظيفتها بالانفلات إلى ما هو جيد وما يحصل تحصيلا جيدا لدى الفرد من جميع النواحي، أي أن كل رغبة تتجه إلى غرضها الخاص الذي تتطلبه بصورة بسيطة، أما الرغبة في المطلوب أو مقدارها فهي إضافية  . لكن ما هو مصير هذه النظرة  الإغريقية؟ وكيف سيصوغ العصر الحديث تصوره عنها؟

خاتمة 

 تطرقنا لمفهوم الرغبة في الفلسفة اليونانية واشتغلنا على الفيلسوف اليوناني افلاطون باعتباره احد الفلاسفة الدين اهتموا بمفهوم الرغبة .معتبرا اياها نقص وحرمان اتمنى ان ينال اعجابكم 

المراجع  

  1. افلاطون: جمهورية افلاطون ترجمة : فؤاد زكرياء; دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر: القاهرة: مصر :  2004
  2.  افلاطون : المادبة فلسفة الحب : ترجمة : وليم الميري ;دار المعارف مصر: 1980

عن الكاتب

Houssin Lemkass

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اخر موضوعات المدونة

التجارة الالكترونية

جميع الحقوق محفوظة

الفلسفة الاجتماعية