الفلسفة الاجتماعية

مدونة اجتماعية وفلسفية تهتم بالقضايا الفلسفية والاجتماعية والرياضية والصحية والفنية للمجتمع

recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

مفهوم الرغبة في الفلسفة الحديثة اسبينوزا نموذجا

مفهوم الرغبة في الفلسفة الحديثة اسبينوزا نموذجا  



العناصر 

  1. المقدمة
  2. الرغبة عند اسبينوزا 
  3. نبذة تاريخية حول اسبينوزا 
  4. الرغبة السبينوزية
  5. مفهوم الرغبة والكوناتوس
  6. الفرق بين الانفعالات والاحاسيس
  7. استنتاجات
  8. خاتمة



المقدمة 

ان رغبة الفلسفة الحديثة تختلف عن رغبة باقي العصور ولعل من ساهم في هذا التغيير الفيلسوف اسبينوزا حيث في كتابه الايثيقا عبر بشكل كبير عن الوجهة الجديدة التي عرفها مفهوم الرغبة وهذا راجع بالاساس الى التطورات والتغييرات التي شهدها هذا العصر سواء التطورات العلمية او الاجتماعية او السياسية اذن كيف عالج اسبينوزا مفهوم الرغبة والى اي حد يمكن اعتبار ان رغبة اسبينوزا تختلف عن باقي رغبات العصور السابقة عليه ؟  



الرغبة عند إسبينوزا

  1. نبدة تاريخية حول الفيلسوف اسبينوزا

  ولد باروخ إسبينوزا في أمستردام في 24 نوفمبر 1632م. وقد سمي عند ولادته "باروخ"، وكانت أسرة إسبينوزا من الأسر الإسبانية اليهودية المهاجرة. وقد تلقى تعليمه في المدرسة الثلمودية المحلية بأمستردام  في علم التجارة والعلوم الدينية. وفي سن الثالثة عشرة، اشتغل في مركز تجارة أبيه، غير أنه ظل مع ذلك متابعا لتعليمه ودراسته. وبعد وفاة والده، سنة 1654،ترأس مع أحد أفراد عائلته الأعمال التجارية للعائلة، غير أنه لم يكن يطمح إلى مهنة تجارية، ولا إلى الاغتناء المادي، وتشير رسائله إلى نفوره من التهافت على المال والاغتناء . وفي فبراير سنة 1677، توفي بعد مرض عضال صاحبه مدة طويلة من الزمن، من مرض السل بلا شك، وعمل صديقه لويس مايير على جمع مخطوطات إسبينوزا وحملها معه، وفي نهاية السنة التي رحل فيها إسبينوزا نشرت أعماله. ويحتل المفهوم الذي نعالجه هنا مكانة أساسية في فلسفته.

  1. الرغبة السبينوزية

حيث ينطلق إسبينوزا من تعريف شامل لمفهوم الرغبة، حيث اعتبرها على أنها هي ماهية الإنسان عينها، من حيث تصورها مجبرة بمقتضى انفعال من انفعالاتها الذاتية، على فعل شئ ما ، بمعنى أنها هي جميع مساعي الإنسان ونزواته وشهواته وإرادته الجزئية، وهي الشهوة التي تعي ذاتها لكونها مجبرة على القيام بما يصلح لحفظها. وبهذا فتحديد إسبينوزا للرغبة على أنها ماهية الإنسان جاء رهين كل تأسيس لهذه الماهية سواء أكانت فطرية أو غير ذلك، وهي التي تكون متنوعة وفق التأسيس المتنوع للإنسان الواحد وتكون في الغالب متعارضة فيما بينها لدرجة أن الإنسان يكون منقادا بكيفيات متنوعة لا يدري أي اتجاه يتبع .

وبهذا فالرغبة هي الجهد الذي به يسعى الإنسان في الاستمرار في الوجود، والتي يحوم حولها مجموعة من المفاهيم والعواطف، إلا أن دراسة مفهوم الرغبة تتطلب بالضرورة ربطها بباقي المفاهيم الأساسية النسقية المهيكلة لكتاب الإيتيقا، وخاصة مفهوم الإله والصفات والأحوال، لأن الرغبة تشكل خاصية جوهرية، تربط بين مفهومي الإله والصفات وبين مفهوم الأحوال، داخل نظام طبيعي محايث لذاته لا يوجد فيه. لذلك من الصعب إعطاء تعريف ماهوي للرغبة في فلسفة إسبينوزا كونها تتداخل مع جميع مساعي الطبيعة البشرية، فهي من جهة تشكل أساس وجوهر وماهية الإنسان، وهي من جهة أخرى تتضمن الجهد الذي تبذله الطبيعة الإنسانية للاستمرار في الزمن، "ويطلق اسم الكوناتوس على هذا السعي إلى الإثبات المطلق الدي يكشف لدى الحال عن القوة وقدرة العلة الوحيدة التي تعلله" ، وتدفعه إلى إدامة نفسه لأكبر قدر من الزمان ممكن، إنه قوة الشيء أو نزوعه إلى الاستمرار في الحالة التي هو عليه.

  • مفهوم الرغبة والكوناتوس

وبهذا فإسبينوزا جعل كل من الكوناتوس الذي هو النزوع والجهد في الاستمرار في الوجود، والرغبة التي هي ماهية الإنسان، مبدأ الحياة، الذي يظل قائما في كل الأحوال التي توجد ضمن نظام الطبيعة الكلي، والذي يخضع لحتمية مزدوجة، حتمية العلة الإلهية، وحتمية الأشياء الجزئية التي يعتبر الإله علتها الأولى، التي تفعل، وتنفعل مع بعضها لتحقيق ماهيتها.

والماهية الأساسية للإنسان والحقيقة هي الرغبة إلا أنها محددة ككوناتوس، أي كجهد كامن فيه يدفعه الاستمرار في الوجود الذي يمنحه الإله لهذا الحال المتناهي من ذاته، فهو علة وجوده وعلة استمراره، وهكذا ينطوي الإنسان وكل الأحوال على ماهيته وماهية الإله الأزلية اللامتناهية وتحقيقه لذاته يؤدي إلى تحقيق ماهية الإله. وعليه تصير الرغبة والكوناتوس هما شرطا الوجود، وجود الإنسان واستمراره، تحديدا لماهيته وتحقيقا لماهية الإله اللامتناهية، وتعبيرا عن قدراته التي بها يفعل ويوجد، فهو مجرد وسيلة تحقق ذاتها في إطار تحقيقها لغاية تفوقها، ووسيلة بها تتحقق الطبيعة والعالم الخارجي، وهذا ما دفع إسبينوزا الى تخصيص باب كامل من كتابه الإيتيقا، لتعريف مفهوم الرغبة وكل الانفعالات المرتبطة بها، بشكل مضبوط يتماشى مع تصوره الوجودي الذي صاغه في الباب الأول، منبها في بدايته إلى الصعوبة نفسها التي تحدثنا عنها، إلا أنه عرفها متجاوزا ذلك بأنها "هي عين ماهية الإنسان من حيث تصورها مدفوعة، بموجب انفعال من انفعالاتها الذاتية، إلى فعل شيء ما ".

إنها القدرة الكامنة في الإنسان التي تدفعه من حيث هو حال متناهي إلى الاستمرار في الوجود والقيام، بالأشياء الصالحة لحفظه، لكن بموجب وعيه بالعلة الخارجية التي تدفع الإنسان إلى الدخول في علاقات متعددة من الفعل والانفعال، هو ما يجعله ينظر إلى نفسه على أنه جوهر، يثبت ذاته إثباتا مطلقا، في حين أن إدراك الإنسان أنه يقوم بذلك مدفوعا بفعل علة خارجية، حددها إسبينوزا في الانفعال، أي الهيئة التي تكون عليها هذه الماهية وتدفعها إلى دخول في علاقات تأثير وتأثر من أجل الاستمرارية، مثالا على ذلك نقدم مثال الجسم المتحرك الذي ينزع إلى الاستمرار في التحرك، ويمثل عين وماهية الحركة، لكن هذا الجسم المتحرك قد يعتقد في نفسه أنه جوهر وعلة 




لحركته، إذا نظر إليه معزولا عن الطبيعة، في حين أن حقيقة حركته نابعة من علة خارج علته، وهذه العلة بدورها نابعة من علة كبرى.

إنها قوة تجعل الإنسان يرغب في الوجود أولا، ويناقض كل ما يعارضه ثانيا، فأن يكون الإنسان في النسق السبينوزي معناه أن يفعل، أي السعي من خلال الكوناتوس إلى إثبات ماهيته وتفعيلها ضد كل ما يجعل وجوده يتناقض. «وهذا الجهد[...] هو رغبة لأنه إثبات لكائن فرد وليس مجرد فراغ للوجود ".

وبهذا فالرغبة قوة ومعرفة لا تستكين، تعبر في الإنسان عن الجهد الكلي الذي يسكنه من حيث هو فكر وامتداد، وهذا الجهد يدفع غالبا الإنسان إلى الدخول في علاقة تأثير وتأثر مع الأشياء الخارجية، مما يطلق عليه إسبينوزا بالانفعال إذن، فما علاقة الرغبة بالانفعال؟

في حديث إسبينوزا عن الانفعال، عرفه بأنه هو الهيئة التي يأخذها الكوناتوس أو الرغبة أثناء تحققه في العالم الخارجي، أي أنه "حاصل العلاقة بين الرغبة والأشياء . فهو "تلك الآثار التي تلحق بالجسم الإنساني أثناء تفاعله مع أجسام أخرى، وهو أيضا الأفكار والصور الذهنية التي تنتج عن هذا التفاعل في النفس  ".

وبهذا فإن دخول الجسم في علاقة مع أجسام أخرى يترك انفعالا في النفس، بنفس الشدة والقوة التي يحدث بها في الجسم، فنسمي الأول انفعالا والثاني إحساسا، ويجعل إسبينوزا كل هذا في القول التالي: "أعني بالانفعالات ...الأحاسيس، تأثرات الجسم التي بها تزداد قوة فعله أو تنقص، تعاون أو تعاق، وكذلك أفكار هذه التأثرات". 

  • الفرق بين الانفعالات والاحاسيس

بينما يميز إسبينوزا على حد تعبير جيل دولوز، بين نوعين من الانفعالات والأحاسيس التي تنبع من التلاقي الخارجي للإنسان مع أشياء أخرى من العالم الخارجي للإنسان مع أشياء أخرى من العالم الخارجي، ولا يمتلك عنها فكرة تامة، بمعنى أننا لسنا علتها التامة، بل نحن علتها الجزئية فقط، وسمي بالسالب لأننا ليس لدينا فكرة واضحة ومتميزة عن علته التامة، وذلك لتدخل حال آخر في حدوثه. في حين يرى إسبينوزا أن الانفعال الموجب تكون علته التامة، ونمتلك عن هذه العلة فكرة واضحة، أي أننا نعرفها كما تحدث في ماهياتنا وفي ماهية الإله، وينتج عن هذا انفعال دائم لا يتغير بتغير الأحوال. ومن هنا يصير الانفعال السالب هو قدرتنا على الانفعال من خلال التلاقي مع أحوال خارجية، والانفعال الموجب هو قدرتنا على الفعل لوحدنا دون استحضار الأحوال الأخرى وهكذا تصير الرغبة هي أصل كل الانفعالات ومنبعها الوحيد أي أنها أصل انفعالي الفرح والحزن اللذان تتولد منهما باقي الانفعالات الأخرى. إنها القدرة والطاقة التي تدفع الإنسان إلى الدخول في متلاقيات خارجية مع نظام الطبيعة المشترك، وهي في الوقت نفسه امتلاك لفكرة عن الفكرة التي تتركها هذه  المتلاقيات في النفس، فهي كما قال إسبينوزا، سعي للوجود ووعي بهذا السعي. وهيترتبط شئ ما بهرم ماوسلو لتحقيق الحاجيات 

تتحدد إذن الرغبة بكونها ماهية الانسان والمحرك الاساسي لكل عاطفة وشعور لكن والحالة هاته فهل سيبقى مفهوم الرغبة كما هو الحال مع إسبينوزا؟ أم هل سيعرف تحولا مع الفلسفات المعاصرة؟








استنتاجات:


 حاولنا، تسليط بعض الأضواء على إشكالية الرغبة لدى وإسبينوزا، من خلال رصد أهم التحولات التي شهدها هذا المفهوم في انتقاله من العصر الإغريقي إلى العصر الحديث قبل ميلاد العلوم الإنسانية. وهو ما يتجسد بشكل واضح في نوعية التعريفات المقدمة لها، فبعد ما كانت الرغبة عند أفلاطون عبارة عن دافع فطري يتجسد في الإنسان على شكل ملذات وشهوات حيوانية، مما يستدعي ذلك العقل للتحكم فيها لترقى إلى مستوى الرغبة الأفضل، وبعدما كانت عبارة عن إيروس ينتابها النقص والحرمان، ستصبح مع الفيلسوف العقلاني ديكارت عبارة عن انفعال وهياج تثيره النفس البشرية للحصول  على الخير وطرد الشر، بمعنى أنها ميل إلى تحصيل خير معين يصاحبه الحب تم الرجاء، عكس تحصيل الشر الذي يعتبر الحزن رفيقه. 

إلا أنه مع فيلسوف الرغبة إسبينوزا ستتخذ الرغبة منحى آخر، بحيث ستعد ماهية الإنسان من حيث تصورها، بمعنى أنها القوة الكامنة في الإنسان التي تدفعه إلى الاستمرار في الوجود هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إنه إذ ربط الرغبة بالكوناتوس هذا الأخير الذي يعتبر بمثابة السعي إلى الإثبات المطلق الذي يكشف لدى الحال عن القوة التي تدفع الإنسان في الاستمرار في الوجود، وحرص على إقامة علاقة متوازنة بين كل من الرغبة والكوناتوس.

هكذا يمكننا استخلاص بعض الاستنتاجات التالية:

إن قضية الرغبة شكلت في الفكر الفلسفي موضوعا هاما، حاول الفلاسفة منذ بداية فجر التفكير الفلسفي مقاربته والإحاطة بإشكالاته، إلا أن طريقة معالجة هذا الإشكال كانت موضوع اختلاف كببر بين المدارس الفلسفية، سواء في الفترة اليونانية أو الحديثة أو المعاصرة خصوصا الاختلاف بين أفلاطون وديكارت، وبين الثورة الفلسفية التي مثلها إسبينوزا في الفترة الحديثة من حيث إعادة النظر إلى الإنسان وموقعه في الطبيعة، ثانيا محاولته الجادة للخروج بالرغبة من شبح اللعنة الأفلاطونية، التي تعد امتدادا لتلك التصورات التقليدية اللاهوتية ونظرتها التحقيرية لدور الرغبة ومكانتها بالنسبة للإنسان الذي سيصير موضوعا مخصوصا لعلوم بعينها هي العلوم الإنسانية.

وتكمن جدة إسبينوزا مقارنة مع باقي فلاسفة العصر الحديث وبالذات رونيه ديكارت في إعادة تعريف الإنسان، باعتباره كائنا راغبا، وبكون الرغبة تشكل الماهية الأصلية له ولوجوده المحدود، ضدا على كل تلك التعريفات الكلاسيكية سواء مع أفلاطون الذي يعتبره حيوانا عاقلا، أو مع ديكارت حين جعل منه جوهرا مفكرا (الكوجيطو)، لأن في هذا التحديد الأفلاطوني و الديكارتي تهميش للرغبة وإقصاء لفاعليتها الحيوية في حياة الإنسان. لأن الرغبة ارتبطت في فلسفة أفلاطون بالنقص، والحرمان والعوز، الذي يجعل الإنسان يسعى دوما إلى البحث عن ما ينقصه ويفتقد له، بغية ملء هذا الفراغ المرعب الذي يعد حرجا يصاحب الإنسان ويجعل منه عبدا ضعيفا لشهواته الشيطانية.

إن الرغبة ضمن هذا السياق سعي ذو طبيعة حيوانية واندفاع أهوج وطاقة مرعبة ومخيفة، لأنه لا يخضع لمتطلبات العقل ولا يأبه بسلطة القانون أو الواجب الأخلاقي، وبهذا وقطعا مع هذه التعريفات ستصبح الرغبة في العصر الحديث ماهية الإنسان.

نستنتج أيضا أن تطور مفهوم الرغبة بدوره راجع لعدة أسباب وأهمها: تغير العلوم في العصر الحديث، وتغير المناهج العلمية، بحيث غلبة النظرة العلمية على مقاربة المواضيع، إضافة إلى هذا نجد الدور الأساسي الذي لعبته الاكتشافات العلمية خلال العصر الحديث والذي مهد لهيمنة الطابع العلمي على جل المواضيع المطروحة، بحيث عرفت العلوم ازدهارا وانتعاشا كبيرا خلال هذه الفترة.




خاتمة 

خلاصةيمكن القول أن مفهوم الرغبة تحرر كثيرا إبان العصر الحديث من الإيديولوجيات التي كانت تمارس عليه بحيث كانت الغاية منها من معالجته كيفية التحكم فيها لأغراض سياسية وليس بغرض للتعامل الصحيح مع المفهوم كما بجد في الأفلاطونية التي ستقوم بطردها من المدينة الفاضلة لأنها بالكاد لا تتوافق وقوانين هذه المدينة  المثالية، التي تقترن بالاتزان والحكمة والعدالة.

وهذا ديكارت الذي أعطى أهمية كبرى للبعد العقلاني على النفسي مما عكس على الرغبة بعدها الإيجابي، فقوله بأن الحواس بيضاء ونزاعه مع التجريبيين حال دوننا ودون فهم الصرح الأساسي الذي تتمحور عليه الرغبة، لان ارتباطها فقط بشيء معين يسلبها مهامها. إذن فالرغبة عرفت تدهورا مع الفلاسفة الكلاسيكيين، بسبب كون هذه الفلسفات كانت تحتقر كل ما له علاقة بالانفعالات بدعوى أنها لا  تحدد ماهية الإنسان المحورية التي هي العقل.بينما اسبينوزا اعاد لمفهوم الرغبة الاعتبار.


عن الكاتب

Houssin Lemkass

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اخر موضوعات المدونة

التجارة الالكترونية

جميع الحقوق محفوظة

الفلسفة الاجتماعية